الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.ظهور زيد بن علي ومقتله. ظهر زيد بن علي بالكوفة خارجا على هشام داعيا للكتاب والسنة وإلى جهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين والعدل في قسمة الفيء ورد المظالم وأفعال الخير ونصر أهل البيت واختلف في سبب خروجه فقيل: إن يوسف ابن عمران لما كتب في خالد القسري كتب إلى هشام أنه شيعة لأهل البيت وأنه ابتاع من زيد أرضا بالمدينة بعشرة آلاف دينار ورد عليه الأمن وأنه أودع زيدا وأصحابه الوافدين عليه مالا فكان زيد قد قدم على خالد بالعراق هو ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وداود بن علي بن عبد الله بن عباس فأجازهم ورجعوا إلى المدينة فبعث هشام عنهم وسألهم فأقروا بالجائزة وحلفوا على ما سوى ذلك وأن خالدا لم يودعهم شيئا فصدقهم هشام وبعثهم إلى يوسف فقاتلوا خالدا وصدقهم الآخر وعادوا إلى المدينة ونزلوا القادسية وراسل أهل الكوفة زيدا فعاد إليهم وقيل في سبب ذلك إن زيدا اختصم مع ابن عمه جعفر ابن الحسن المثنى في وقف علي ثم مات جعفر فخاصم أخوه عبد الله زيدا وكانا يحضران عند عامل خالد بن عبد الملك بن الحرث فوقعت بينهما في مجلسه مشاتمة وأنكر زيد من خالد إطالته للخصومة وأن يستمع لمثل هذا فأغلظ له زيد وسار إلى هشام فحجبه ثم أذن له بعد حين فحاوره طويلا ثم عرض له بأنه ينكر الخلاف وتنقصه ثم قال له: أخرج؟ قال: نعم ثم لا أكون إلا بحيث تكره! فسار إلى الكوفة وقال له محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب: ناشدتك الله إلحق بأهلك ولا تأت الكوفة وذكره بفعلهم مع جده وجده يستعظم ما وقع به وأقبل الكوفة فأقام بها مستخفيا يتنقل في المنازل واختلف إليه الشيعة وبايعه جماعة منهم: مسلمة بن كهيل ونصر بن خزيمة العبسي ومعاوية بن إسحق بن زيد بن حارثة الأنصاري وناس من وجوه أهل الكوفة يذكر لهم دعوته ثم يقول: أتبايعون على ذلك؟ فيقولون: نعم فيضع يده على أيديهم ويقول عهد الله عليك وميثاقه وذمته نبيه بيقين تتبعني ولا تقاتلني مع عدوي ولتنصحن لي في السر والعلانية فإذا قال نعم وضع يده على يده ثم قال: اللهم اشهد فبايعه خمسة عشر ألفا وقيل أربعون وأمرهم بالاستعداد وشاع أمره في الناس وقيل: إنه أقام في الكوفة ظاهرا ومعه داود بن علي ابن عبد الله بن عباس لما جاؤا لمقاتلة خالد فاختلف إليه الشيعة وكانت البيعة وبلغ الخبر إلى يوسف بن عمران فأخرجه من الكوفة ولحق الشيعة بالقادسية أو الغلبية وعذله داود بن علي في الرجوع معه وذكره حال جده الحسين فقالت الشيعة لزيد: هذا إنما يريد الأمر لنفسه ولأهل بيته فرجع معهم ومضى داود إلى المدينة ولما أتى الكوفة جاءه مسلمة بن كهيل فصده عن ذلك وقال أهل الكوفة لا يعولون لك وقد كان مع جدك منهم أضعاف من معك ولم تعاوله وكان أعز عليهم منك على هؤلاء فقال له: قد بايعوني ووجبت البيعة في عنقي وعنقهم وقال: فتأذن لي أن أخرج من هذا البلد فلا آمن أن يحدث حدث وأنا لا أهلك نفسي فخرج لليمامة وكتب عبد الله بن الحسن المثنى إلى زيد يعذله ويصده فلم يصغ إليه وتزوج نساء بالكوفة وكان يختلف إليهن والناس يبايعونه ثم أمر أصحابه يتجهزون ونمى الخبر إلى يوسف بن عمر فطلبه وخاف فتعجل الخروج وكان يوسف بالحيرة وعلى الكوفة الحكم بن الصلت وعلى شرطته عمر بن عبد الرحمن من القاهرة ومعه عبيد الله بن عباس الكندي في ناس من أهل الشام ولما علم الشيعة أن يوسف يبحث عن زيد جاء إليه منهم فقالوا: ما تقول في الشيخين؟ فقال زيد: رحمهما الله وغفر لهما وما سمعت أهل بيتي يذكرونهما إلا بخير وغاية ما أقول أنا كنا أحق بسلطان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس فدفعونا عنه ولم يبلغ ذلك الكفر وقد عدلوا في الناس وعملوا بالكتاب والسنة قال: فإذا كان أولئك لم يظلموك فلم تدعو إلى قتالهم؟ فقال: إن هؤلاء ظلموا المسلمين أجمعين فإنا ندعوهم إلى الكتاب والسنة وأن نحيي السنن ونطفيء البدع فإن أجبتم سعدتم وإن أبيتم فلست عليكم بوكيل ففارقوه ونكثوا بيعته وقالوا: سبق الإمام الحق يعنون محمدا الباقر وأن جعفرا ابنه إمامنا بعده فسماهم زيد الرافضة ويقال إنما سماهم الرافضة حيث فارقوه ثم بعث يوسف بن عمر إلى الحكم بأن يجمع أهل الكوفة في المسجد فجمعوا وطلبوا زيدا في دار معاوية بن إسحق بن زيد بن حارثة فخرج منها ليلا واجتمع إليه ناس من الشيعة وأشعلوا النيران ونادوا يا منصور حتى طلع الفجر وأصبح جعفر بن أبي العباس الكندي فلقى إثنين من أصحاب زيد يناديان بشعاره فقتل واحدا وأتى بالآخر إلى الحكم فقتله وأغلق أبواب المسجد على الناس وبعث إلى يوسف بالخبر فسار من الحيرة وقدم الرياف بن سلمة الأراثيني في ألفين خيالة وثلثمائة ماشية وافتقد زيد الناس فقيل إنهم في الجامع محصورون ولم يجد معه إلا مائتين وعشرين وخرج صاحب الشرطة في خليه فلقي نصر بن خزيمة العبسي من أصحاب زيد ذاهبا إليه فحمل عليه نصر وأصحابه فقتلوه وحمل زيد على أهل الشام فهزمهم وانتهى إلى دار أنسي بن عمر الأزدي ممن بايعه وناداه فلم يخرج إليه ثم سار زيد إلى الكناسة فحمل على أهل الشام فهزمهم ثم دخل الكوفة والريات في اتباعه فلما رأى زيد خذلان الناس قال لنصر بن خزيمة: أفعلتموها حسينية؟ قال: أما أنا فو الله لأموتن معك وإن الناس بالمسجد فامض بنا إليهم فجاء إلى المسجد ينادي بالناس بالخروج إليه فرماه أهل الشام بالحجارة من فوق المسجد فانصرفوا عند المساء وأرسل يوسف بن عمر من الغد العباس ابن سعد المزني في أهل الشام فجاءه في دار الزرق وقد كان أوى إليها عند المساء فلقيه زيد بن ثابت فاقتتلوا فقتل نصر ثم حملوا على أصحاب العباس فهزمهم زيد وأصحابه وعبأهم يوسف بن عمر من العشي ثم سرحهم فكشفهم أصحاب زيد ولم يثبت خيلهم لخيله وبعث إليهم يوسف بن عمر بالقادسية واشتد القتال وقتل معاوية بن زيد ثم رمي زيد عند المساء بسهم أثبته فرجع أصحابه وأهل الشام يظنون أنهم تحاجزوا ولما نزع النصل من جبهته مات فدفنوه وأجروا عليه الماء وأصبح الحكم يوم الجمعة يتبع الجرحى من الدور ودله بعض الموالي على قبر زيد وقطع رأسه وبعث بها إلى يوسف بالحيرة فبعثه إلى هشام فنصبه على باب دمشق وأمر يوسف الحكم أن يصلب زيدا بالكناسة ونصر ابن خزيمة ومعاوية بن إسحق ويحرسهم فلما ولي الوليد أمر بإحراقهم واستجار يحيي ابن زيد بعبد الملك بن شبر بن مروان فأجاره حتى سكن المطلب ثم سار إلى خراسان في نفر من الزيدية.
|